10 December 2007

ميثاق شرف اعلامى لمدونى الاخوان

المعظم بالطبع يعتبر التدوين هو أحد وسائل التعبير عن النفس على طبيعتها، وهو بطبيعته شخصيٌ وسَلِسٌ ولا يجب أن تُوضَع له أية قيود، وأنا شخصيًّا أتفق مع هذا المعظم في هذا الرأي، ولا أتفق في وضع قيود على أي موضوع، ولا أعتبر "الميثاق" الذي أدعو إليه- وسبقني إلى الدعوة إليه بعض أساتذتي- بمثابة القيد، وإنما هو عبارة عن مجموعة من الالتزامات المعنوية والأخلاقية التي لا تتعلق بفرض قَيْدٍ على الموضوعات التي يتم طرحها، أو وجهات النظر، ولا تتعلق برفض نقد القيادة أو توجهات الجماعة أو ما إلى ذلك.

والبعض أيضًا يرى أن ما قد نطلبه من نقاطٍ في "الميثاق" هي ضد طبيعة التدوين؛ حيث يخرج الكلام مباشرةًً سريعًا منسابًا، دون تنميقٍ ولا تدقيق، ولكن لماذا لا نحاول أن يكون ما ينساب من داخلنا متوافقًا على الدوام مع هذا الميثاق، حتى وإن خرج سريعًا أو نتيجة موقف يستوجب سرعة التعليق وإبداء الرأي.

وهذا "الميثاق" ليس بدعةً، فهناك ما يُسَمَّى بـ"ميثاق الشرف الصحفي" وقد تحدث عنه الكثير من شيوخ هذه المهنة العظيمة (السلطة الرابعة)، وهناك ما يُعرَف في المجتمعات بـ"العُرْف" وهو مجموعةٌ من الالتزامات التي تنتقل بين مجتمعٍ ما بالتواتر والاعتياد وتُلاقي احترامًا بين أهل هذه المجتمعات، وهذا العُرف ارتقى إلى أن احترمه الشرع الإسلامي الحنيف.

وحين نستعرض بعض الملامح الرئيسية "المقترحة" لميثاقٍ لمدوِّني الإخوان، فنحن لا ندَّعي في ذلك عدم مراعاتهم لها تمامًا، ولا نطلب مصادرةً للرأي أو حرية التعبير، ولكنها بعض الملامح للتَذْكِرَة؛ مصداقًا لقول المولى عز وجل: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ المُؤْمِنين) (الذاريات: 56) والتعاون على تقويم النشاط تحقيقًا للتوازن الذي دعا إليه الدكتور أحمد عبد العاطي بين تشجيع حرية التعبير عن الرأي ولو خالف رأي الجماعة والإبداع والتطوير من ناحية، وبين الحفاظ على أخلاق الإسلام ووحدة صف الجماعة من ناحية أخرى.

الملامح المقترحة للميثاق
سأحاول جاهدًا طرح ملامح هذا الميثاق من وجهة نظري، متوكلاً على الله، ومستجيبًا لدعوة الداعين، وداعيًا كل إخواني لأن يكون هذا الطرح هو مادةً أوليةً للتطوير والتعديل، في سبيل الوصول لخطوط عريضة يتفق عليها شباب الجماعة بشكلٍ ضمنيٍّ؛ حتى يتحقق التوازن الذي ذكرناه آنفًا، ولا ينبغي أن تكون إلزامية حرفيًّا، وإنما القصد في تحقيق المعنى.. أقصد معنى التوازن الذي تحدثنا عنه؛ فإن تَحقَّقَ بغيرها فلا بأس بالطبع، ولا ضَيْرَ إن رأى أحد الإخوة أن بعض ما سأذكر يُنَفَّذ بالفعل أو أنه منطقيٌّ ولا يحتاج لذِكر، فلعل في الإعادة إفادة.

هذه هي بعض النقاط "المقترحة" في هذا الصدد:
استحضار النية في كل مَقَالٍ ورأيٍ يُكتَب، حتى لو كان ذلك مجرد "فضفضة" شخصية، والحرص على سؤال النفس: هل ذكْر ذلك القول سيُرضي الله؟ وهل ذكْر ذلك سيزيد من ميزان الحسنات أو على الأقل لن ينقص منه أو يزيد في ميزان السيئات؟! وهذا أصلٌ في كل أعمالنا.

تنقية الكلمات وأسلوب التعبير قدر المستطاع؛ بحيث تصل الفكرة ولكن دون جَرح أحد أو شخص، حتى لو تم الاختلاف معه، ومحاولة التماس العذر عند الاختلاف، مع الاستمرار في ذِكر وجهة النظر المخالفة، ونتذكَّر تحذير إمامنا الشهيد حسن البنا من تجريح الهيئات والأشخاص، ولا يفوتني هنا تسجيلُ إعجابي الشديد بمقال أخي إبراهيم الهضيبي، الذي ذكرتُهُ آنِفًا؛ حيث أراه خيرَ تمثيلٍ لهذا الأسلوب.

احترام أوجه النظر المختلفة؛ إعمالاً لكلمة الأستاذ البنا: "نتفق فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، وللحكمة القائلة: "اختلاف الرأي لا يفسد للودِّ قضية"، ولحكمة الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، ويجب أن نربِّي أنفسنا ونعوِّدها على احترام الرأي الآخر حتى لو اختلفنا معه.

إذا تم الخَوْض في شأنٍ من شئون الجماعة أو تصريحات أحد قياداتها، فيجب الرجوع للمصدر الذي نُقِلَ عنه هذا التصريح، والتأكد منه، أو الرجوع للتصريح نفسه، وإن كان قد تم نفيه أو تعديله أم لا في المكان الذي ذُكِرَ فيه، سواءٌ كان موقعًا إلكترونيًّا، أو جريدة ورقية، أو حوارًا تليفزيونيًّا.. إلخ، ويجب تغليب روح الأخوَّة وحُسن الظن، ولا يجب الاتهام ابتداءً؛ فالأصل أننا لا نقدح في نية أخ أو أخت، ولكن قد نختلف معه في طريقة تناوله للموضوع أو في رأيٍ معين قاله في أسلوب ووقت ما صرَّح به.. إلخ.

التَخَلُّقُ بخلقنا الإسلامي الرفيع في تعليقاتنا وفي مقالاتنا، من إعطاء العذر للذين يختلفون معنا في الرأي، وذِكْر الألقاب المناسبة لمَن يكبرونا سنًّا، وتغليب روح "الاجتهاد في الوصول للحق" عن روح "محاولة الانتصار للرأي"، والبُعد عن السبِّ والجرح وردِّ السيئة بالحسنة والكلمة الخبيثة، بطلب العفو من الله لمن قالها، وعدم الجَهْر بالمعصية، وجَعْل رضا الله هو الغاية الأسمى من كل ما نقول ونقترح.. إلخ.

أَخْذ الحَيْطَة في الانجراف خلف التعليقات المستفيضة من الأخ للأخت وبالعكس؛ بحيث لا يتم استخدام كلمات استلطافية أو مِزاحية؛ لأن ذلك يعمل عمله في النفوس ويفتح بابًا من أبواب الشيطان، وَلْيجتهد الأخ في أن يكون تعليقه للأخت على قدر المُحتاج وبالعكس، حتى وإن كان في تعليقٍ على تدوينة شخصية تتعلق بمشاعر أو خواطر، فلا مانع، فكلٌ حرٌّ فيما يكتب كما ذكرنا، ولكن حبَّذا لو اكتفى كلٌّ منهما بإسداء النصح والدعاء والتذكرة في هذه الحالة، وَلْيحرص كلا الجنسين على تذكُّر أن الآخر أجنبيٌّ، وكيف كان سيعامله في أرض الواقع.

ذِكْر مصادر الأخبار والمقالات المنقولة من أماكنَ أخرى، مع وَضْع رابطٍ لذلك إن أمكن؛ حيث إن ذلك من الأمانة في النقل، ونَسب الجُهدِ لصاحبه (وهو غالبًا ما أراه بالفعل في كل مدوّنات الإخوان والأخوات بفضل الله).

محاولة اقتراح حلول للمشكلات بجانب عرضها، حتى يكون العرض عمليًّا، فكما تقول الحكمة: "أشعِل شمعة بدلاً من أن تظل تلعن الظلام"، ومحاولة الخروج من نفق الجَدَل البيزنطي؛ لأن الإخوان مجتمعٌ بشريٌ، يصيبه ما يصيب أي مجتمع، ولكن لا يجب أن نيأس من الإصلاح والتطوير، وكما قال الإمام البنا: "نحن قوم عمليون".

يجب أن يضع كل أخ وتضع كل أخت في الحسبان- شِئنَا أم أَبَيْنا- أنّ أفراد الجماعة هم عنوان الجماعة، فَلْيَحرص الكل على محاولة أن يكون خير عنوان، وذلك في كتاباته وتعليقاته، فضلاً عن سلوكه الواقعي أيضًاً.

مشاركة الأخ أو الأخت الأفراح والأحزان في التدوينات الشخصية، مع مراعاة الأسلوب الذي بيَّنَّاه سابقًا؛ فإنه كثيرًا ما يحتاج الأخ/ الأخت لكلمات الإخوة والأخوات التي تثبت وتهون أو تزين الأفراح.

محاولة متابعة الردود على كل تدوينة، وإعادة الرد عليها؛ حيث إن مَن رَدَّ ينتظر غالبًا رَدًّا ثانيًا من صاحب التدوينة الأصلية؛ ليشعره بأهمية مشاركته وتفاعله مع تدوينته ومدونته.

محاولة الانفتاح على مدوّنات غير الإخوان، والتواصل معها، وقليلٌ مَن يفعل ذلك من الإخوة والأخوات، وتَحَوَّل المجتمع التدويني الإخواني لمجتمع مغلق تقريبًا، على الرغم من أنه يجب أن تُستَخدم هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله، وتبيين ما يغيب من حقائق عن الجماعة وفكرها ومنهجها وأسلوب عملها، وإظهار تلبيس الإعلام في بعض الأحيان.
محاولة توصيل الكتابات والآراء للقيادات قدر المستطاع، فليس الكل منهم يملك الوقت للدخول لهذا الكم الضخم من المدونات الالكترونية ليُطالِعَها، ومراسلة كل ذي شأنٍ عن الشأن الذي يخصه؛ حتى يتسع الحوار بين القيادة والصف، ومن الحوار- وبعد توفيق الله- يأتي القرار السليم بإذن الله.

همسة في أذن إخواني وأخواتي
في نهاية هذا المقال، أقتبس من أستاذي الدكتور جمال حشمت هذه الفقرة التي كتبها في إحدى مقالاته، معلقًاً على (الحوار بين الشباب والقيادة)؛ حيث أجدها تعبِّر بصدقٍ عن همسة أريد أن أهمسَها في أذن إخواني وأخواتي:
"إن جماعة الإخوان المسلمين هي مِلكُ كل أبنائها، بل هي جزءٌ من تاريخ وحياة المصريين لا تقبل ثقافة القطيع، بل تشجع أبنائَها على حرية الرأي والتعبير في كل أدبياتها؛ لأن الأحرار فقط هم من يستطيعون مواجهة الظلم والفساد والاستبداد، ولا يستخدمون الدين لتحقيق مصالحَ خاصة بها، بل تُوَظِّفُ كلَ كفاءاتِها وجهاد أبنائها لتُعِزَّ الإسلام، وتُعْلِي من شأن ِقيمه وشرائعه، وهي جماعة تجمع ولا تُفَرِّق، وتتحمَّل في سبيل ذلك المَشاق وسوءَ الظن والاتهامات ويَكفِي ما يُلاقيهِ الإخوان من عَنَتٍ وإجرام- حتى اليوم- لكي نُدرِكَ قيمةَ ورُجولةِ وشَهَامةِ كل مَنْ ُيقبِل ويُعلِنُ الانتسابَ إليها في ظل هذا المناخ! فَرِفْقًا بجماعتكم، وِثقوا في أن الحب والترابط الذي يجمع أفرادَها ممزوجٌ بالثقة والاحترام لَهُمَا، العاصم بعد توفيق اللهِ مِنَ المِحَنِ والفِتَنِ، أَعَاذَنا اللهُ منهما وآخرُ دَعْوانا أَنِ الحمد لله رب العالمين".
والله أكبر.. ولله الحمد
..........................................
منقول من مقال للاخ محمد صلاح
موقع اخوان اون لاين

3 comments:

عصفور المدينة said...

رائع رائع

Anonymous said...

مشكور يا عصفور

Anonymous said...

الحمد لله أن وجدت مَن وضع الموضوع في مدونته من مدوني الإخوان.
وكنت أتمنى تفاعلاً أكثر من ذلك ونقاشاً وحواراً حول هذا الموضوع.

جزاكَ الله خيراً يا أخي الحبيب.

محمد صلاح
مهندس مصري وكاتب حر